19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

أ.د. سليمان العيوني: الحفاظ على اللغة العربية مسؤولية كل مسلم لأنها جزء من دينه وهويته

15 أكتوبر 2018

لا يخفى على عاقل ما للغة العربية من أهمية ومكانة؛ كونها لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكونها جزء أصيل من بنية التشريع الإسلامي، ومن ثَم فإن الاعتناء بها هو اعتزازٌ بالإسلام ذاته، واحتفاء كذلك بالإرث الحضاري والمعرفي الذي قدمته اللغة العربية للعالم منذ مئات السنين.
   حول ضرورة الحفاظ على اللغة العربية والتمسك بها تحدث الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالعزيز العيوني، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، مؤكدا أن اللغة هي عنصرٌ رئيس من عناصر الحضارة في أي أمة، فاللغة ليست مجرد لسان، أو ألفاظ، أو أصوات، وإنما هي وعاء المعرفة والثقافة، ونتاج التفاعل والتطور الحضاري، لذا تجد الأمم حريصة كل الحرص على لغتها، تعلُما وتعليما ونشرا، لا تقبل التنازل عنها أو التكلم بغيرها، أو الدراسة بلغة أجنبية عنها.
  فإذا كانت لغات العالم يُقدّر عددها بخمسة آلاف لغة ولهجة، في الهند منها فقط ثمانمائة وخمس وأربعين لغة ولهجة، إلا أن لغتنا العربية تعد من أبيَن اللغات وأدقها في التعبير عن المسائل الذهنية، والأحاسيس النفسية، وكذلك عن العلوم التجريبية والنظرية، وذلك لكونها أوسع اللغات وأغناها، وأقدرها على التعبير من حيث الألفاظ والمعاني والأساليب، لكن ينبغي أن نأخذ في الاعتبار بعض الأمور حين نقارن اللغة العربية بغيرها، أن اللغة العربية تتميز بميزات كثيرة؛ أهمها الاشتقاق، هذه الميزة تجعل اللغة متماسكة، يرتبط جديدها بأصولها، مما يجعل اللغة حية متجددة ومستمرة.
كذلك تتميز اللغة العربية بالإيجاز، فبكلمة واحدة يمكن التعبير عن فاعل وفعل ومخاطب، كمثال كلمة: أُحبُكَ، هذه الكلمة الواحدة تكفي وتغني عن استخدام جملة كاملة من ثلاث كلمات في اللغات الأخرى التي يمكن ترجمتها حرفيا بالجملة : "أنا أحب أنت" !
   ونتيجة لهذا التنوع والاتساع والمرونة، ظلت العربية هي لغة العلوم والمعارف منذ انتشر الإسلام في العالم إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي، كانت كتب الحساب والجبر والهندسة، والفلك والطبيعة والجغرافيا، والطب والكيمياء والصيدلة، وعلوم النبات والحيوان، كل هذه المعارف كانت علوما إسلامية سُطرت كتبها بالعربية، وظلت هذه العربية هي المرجع المعتمد في جامعات أوروبا والعالم حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي حين بدأت ترجمة الكتب إلى اللاتينية.
   ولأن هزيمة أي أمة تبدأ من هزيمتها لغويا، لذا كان المحتلون قديما - وحديثا - يعملون على إبعاد الشعوب عن لغتهم، وإرغامهم على تعلم لغة المحتل، والتكلم بها، والدفاع عنها، والاعتقاد أنها الأفضل للبلاد والشعوب المحتلة، هكذا ضعُفت العربية بسبب ضعف العرب والمسلمين، فكما هو معلوم، كل لغة مرتبطة بأهلها، قوة وضعفا، ولذلك يقال: "ما ذل شعبٌ إلا ذلت لغته"، لكن برغم ذلك بقيت العربية هي لغة تدريس الطب والعلوم الحديثة في مصر والشام حتى فرض الاحتلال لغته.
  لكننا اليوم - ولله الحمد - نرى بعض البشائر لجهود تتآزر من أجل تعريب العلوم؛ ومؤتمرات عدة تُعقد في العالم العربي لأجل هذا الهدف الذي يحتاج لجهود كبيرة من علماء وأفراد وحكومات، ومن هذه البشائر أيضا زيادة الاهتمام باللغة العربية واعتمادها في المكاتبات الرسمية، وحدوث تحسن ملحوظ في لغة التحدث والكتابة، وخاصة لغة الشباب، وذوبان كثير من الفروق بين اللهجات المحلية، ومحاولة الاقتراب إلى لغة جامعة تبتعد عن اللهجات العامية، هذه اللغة الجامعة يسميها بعض اللغويين: "اللغة البيضاء"، في إشارة لكونها تتولد من أجل تقريب اللهجات المختلفة إلى اللغة الأم.
  غير أننا لابد أن ننبه أن كل ما قيل لا ينفي أهمية تعلم اللغات الأعجمية، فلابد للأمة من الاستفادة من لغات الأخرين غاية الإفادة.
  وأخيرا يؤكد الدكتور العيوني أن الحفاظ على اللغة العربية ليست مسؤولية الدول العربية فقط، بل هي مسؤولية كل مسلم، لأنها جزء من دينه، وجزء من حضارته، وهويته، ومن الخطأ أن يظن أحد أن اللغة العربية لا تعنيه، لأن مجال تخصصه بعيد عنها، جميعنا مسؤولون عن الحفاظ على لغتنا وهويتنا، كلٌ على قدرِه، ولا أقل في ذلك من تعلُمها، ونشرها، والدفاع عنها، ومطالبة الجميع بالعمل على حمايتها واعتمادها في المكاتبات، والإعلام، وفي دور العلم على اختلاف مستوياتها ومجالاتها.
 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت